تأثيرات رمضان
تأثير رمضان
الحمد لله العلي القدير، القاهر فوق عباده، الذي يُدبّر الأمر بميزان الحكمة، ويجعل الليل والنهار يتعاقبان وفق تقديره، ويسير الكون كله بحكمته. خلق الشمس والقمر وفق نظام دقيق، وأوجد الأوقات لتكون ميدانًا للعمل والطاعات، وكتب على العباد ما قدموا من أعمال. نحمده على نعمه العظيمة، ونشكره على فضله العميم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق البشر وابتلاهم، وأكرمهم بدينه ورفعهم به، وسيحاسبهم يوم القيامة على أعمالهم، فيجازي المحسن ويعاقب المسيء. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي أمره ربه أن يواصل العبادة دون فتور، فجعل حياته كلها طاعة لله، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7-8]. فاستمر في الطاعة والسعي في مرضاة الله حتى جاءه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون:
اتقوا الله وأطيعوه، فإنكم وإن ودعتم رمضان بصيام نهاره وقيام ليله، فإن أعماركم هي مواسم للعبادة، وأعمالكم هي زادكم ليوم الحساب. فاستمروا في الطاعة، واحفظوا الفرائض، وتجنبوا المعاصي، وأكثروا من النوافل، وأتبعوا رمضان بصيام ستة أيام من شوال، سواء كانت متتابعة أو متفرقة، فقد جاء في الحديث الصحيح أن من صامها مع رمضان كان كمن صام الدهر كله.
أثر العبد بعد موته:
يبقى للإنسان بعد وفاته أثر وذكر في الدنيا والآخرة؛ فإما أن يُذكر بالخير بين أهله ومعارفه، أو يُذكر بسوء، والناس شهداء الله في أرضه. وأما أثره الحقيقي، فهو ما يتركه من أعمال صالحة كصدقة جارية، أو علم نافع، أو ذرية صالحة تدعو له. كما أن القدوة الحسنة تبقى مؤثرة في حياة الناس، فيستمر الأثر الطيب مع مرور الزمن، ولهذا كانت الأعمال التي ينتفع بها الآخرون أعظم من العبادات الفردية.
أما من ترك أثرًا سيئًا، كأن يكون داعيًا إلى بدعة أو فساد، فإن وزره لا ينقطع بموته، بل يستمر عليه ما بقي أثره بين الناس، كما قال تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 25].
آثار الأعمال في الدنيا والآخرة:
الأعمال الصالحة تبقى آثارها وتُكتب عند الله، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ ﴾ [يس: 12]. فكل خطوة يخطوها العبد في سبيل الله تُحفظ، وكل عمل صالح يبقى أثره، كما جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لبني سلمة: “دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ” [رواه مسلم].
أما في الآخرة، فإن أثر الأعمال الصالحة يكون سببًا في النعيم الأبدي، فالمؤمن يرى ثمرة عمله في قبره نورًا وسعادة، والكافر يرى أثر كفره عذابًا وشقاءً. وللصائمين باب الريان في الجنة، يدخلون منه جزاءً لصيامهم، ويجدون ما قدموه من أعمال مضاعفًا بأجر لا يحصى، لأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: “الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ” [رواه البخاري ومسلم].
الاستمرار على الطاعة بعد رمضان:
يا من صمتم رمضان، وقمتم لياليه، وختمتم القرآن، وبذلتم الإحسان: لا تجعلوا رمضان هو نهاية الطاعة، بل اجعلوه نقطة انطلاق للاستمرار في العبادة. فمن علامات قبول العمل الصالح أن يستمر العبد في الطاعة بعده، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّت، كما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان إذا عمل عملًا أثبته واستمر عليه.
حافظوا على الفرائض، وأتبعوها بالنوافل، وداوموا على الذكر، وبكروا إلى الصلوات، وأحيوا قلوبكم بالاستغفار. فإن من وجد حلاوة الطاعة في رمضان، فلن يتركها بعده، ومن تذوق لذة القرب من الله، فلن يستبدلها بلذة زائلة.
نسأل الله أن يرزقنا الثبات على طاعته، وأن يعيننا على مرضاته، وأن يجعل لنا أثرًا طيبًا يبقى بعد وفاتنا.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – وداوموا على الاستقامة، فالاستقامة على الطاعة بعد رمضان علامة على قبول العمل، قال الله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ [هود: 112]. فمن ثبت بعد رمضان على طريق الهداية، فقد نال القبول والرضوان، ومن انقلب على عقبيه وخسر ما جمع، فقد خسر خسرانًا مبينًا.
إن العمل الصالح لا ينبغي أن يكون مقصورًا على رمضان، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمداومة على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة، أحب إلى الله من الأعمال الكبيرة التي تنقطع، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ” [رواه البخاري ومسلم].
الشكر على نعمة رمضان
إن بلوغ رمضان وصيامه وقيامه نعمة عظيمة تستوجب الشكر، ومن شكر الله على نعمة الطاعة أن يداوم عليها، فقد قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]. فاشكروا الله على ما وفقكم له، واحمدوه على أن بلغكم رمضان، واسألوه القبول والثبات.
أثر العمل الصالح بعد رمضان
**عباد الله، اعلموا أن من أعظم آثار رمضان في حياة العبد:
الاعتياد على الصيام، فليحرص المسلم على صيام النوافل، كصيام الست من شوال، وصيام الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.
المحافظة على قيام الليل، ولو بركعات قليلة، فإنها من أعظم القربات.

الاستمرار على قراءة القرآن، وعدم هجره بعد رمضان.
الحرص على الذكر والاستغفار، والإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله.
الإحسان إلى الناس، ومد يد العون للفقراء والمحتاجين، والاستمرار في الصدقة والبذل.**
من كان في رمضان محافظًا على الطاعات، فليحذر من الرجوع إلى الغفلة بعده، فالمؤمن يجتهد في العبادة طوال حياته، ولا يجعل مواسم الخير تنقضي دون أن تترك أثرًا فيه.
ختام الخطبة
فلنشكر الله على ما أعاننا عليه، ولنسأله الثبات بعد رمضان، فإن من علامات القبول الاستمرار على الطاعة. ولنحافظ على ما اكتسبناه من الطاعات، ولنحذر من العودة إلى الغفلة والمعاصي بعد شهر الرحمة والمغفرة.
اللهم ثبتنا على طاعتك، ووفقنا لما تحب وترضى، واجعلنا من عبادك الصالحين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.