الصوم ووحده الصف

المداومة على الطاعة بعد رمضان

رمضان جاء وذهب بسرعة، ولكن بعده تظل الأسئلة تثار: ماذا بعد هذا الشهر المبارك، وبالتحديد بعد كل موسم من مواسم الطاعة؟

ماذا نفعل بعد أن أصبح القرآن جزءاً من حياتنا، وأصبحت الصلاة والوقوف بين يدي الله متعة، وذكر الله غذاءً لقلوبنا؟

ماذا بعد الصيام والقيام، الذكر والدعاء، الصدقات، قراءة القرآن، وفعل الخيرات؟

الجواب يكمن في الاستقامة، وهي العلاج، كما ورد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت:30).

الاستقامة هي أن تواصل السير على الطريق الصحيح دون أن تحيد عنه. كما قال أبو بكر رضي الله عنه: “استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً”. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لم يروغوا روغان الثعالب”.

إن الاستقامة بعد رمضان تعني الاستمرار في الطاعات وعدم التوقف عنها.

أسباب الاستقامة

الاستقامة ليست مجرد أمنيات، بل لها شروط وأسباب، أهمها:

1. الاستعانة بالله: يجب أن نعلم أن الله هو الذي أعاننا على العبادة في رمضان، وهو القادر على مساعدتنا في الاستمرارية. الاستقامة ليست قوتك أو قدرتك، بل هي فضل من الله الذي يوفق عباده للطاعة. ومن يظن أن عبادته بقدرته الشخصية سيتركه الله لنفسه، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدًا” (رواه أبو داود).

2. المجاهدة: الاستقامة لا تتحقق بالراحة والتمتع بالشهوات، بل من خلال المجاهدة والمثابرة، سواء في طاعة الله أو الابتعاد عن المعاصي. الجهاد ضد النفس والهوى والشيطان من أهم عناصر الاستقامة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت:69).

3. رفقة أهل الاستقامة: الصحبة الصالحة من أكبر العوامل المساعدة على الاستقامة. كما قال جعفر بن محمد: “كنتُ إذا أصابتني فترة جئت فنظرت في وجه محمد بن واسع، فأعمل بها أسبوعاً”.

علامات قبول الطاعة

من علامات قبول الطاعة أن تستمر في الطاعة بعد رمضان. لا تقتصر علاقتك بالله على رمضان فقط، بل استمر في قراءة القرآن، الصلاة، والصدقات طوال العام.

ويحذرنا القرآن الكريم من أن نكون مثل بلعام بن باعوراء الذي ارتد عن إيمانه بعد أن أذقه الله حلاوة الإيمان، كما حذرنا من أن نكون مثل المرأة التي نقضت غزلها بعد أن أتمته.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أحب الأعمال إلى الله ما دوِّم عليه وإن قل” (رواه مسلم)، وهذه دعوة للاستمرار في العبادة.

عبادة لا تنقطع

إن العبادة لا تنتهي بانتهاء مواسم الطاعات. فبمجرد انتهاء رمضان، يبدأ موسم الحج، وهو من أعظم مواسم الطاعة في الإسلام. ويستحب بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر” (رواه مسلم).

اللهم اجعلنا من أهل الاستقامة الذين لا يقطعون طاعتك ولا يبتعدون عنك بعد رمضان، بل يجعلون العبادة منهجًا مستمرًا في حياتهم. اللهم اجعلنا من الذين يتخذون القرآن رفيقًا دائمًا والصلاة زادًا لا ينفد، واغفر لنا تقصيرنا في العبادة وطاعتك، وارزقنا الثبات على طريق الحق إلى أن نلقاك.

ونعلم يقينًا أن الاستقامة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي سلوك يومي يعكس حقيقة الإيمان بالله، وطاعته، والتمسك بشريعته في كافة شؤون الحياة. إنها استمرارية في التوبة، في العمل الصالح، في طلب العلم، وفي خدمة الناس. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالسعة في وجوههم”.

المداومة على الطاعة بعد رمضان
المداومة على الطاعة بعد رمضان

وأخيرًا، لا ينبغي للعبد أن يشعر باليأس أو القنوط إذا وقع في خطأ أو ذنب، فطريق التوبة مفتوح دائمًا، وأبواب رحمة الله لا تغلق أبدًا. فإذا كنت قد اجتهدت في رمضان، فحافظ على هذا الاجتهاد بعده، وتذكر أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه قادر على أن يثبت قلبك على دينه وعبادته.

فلنجعل رمضان بداية لتغيير مستمر نحو الأفضل، ولنسعى لأن نكون من أولئك الذين إذا مرت عليهم أيام من الطاعة، يجدون في أنفسهم رغبة قوية للاستمرار على نفس الطريق، وأن لا نكون من الذين ينسون الله بعد أن أنعم عليهم، بل نكون من الذين يذكرونه في السراء والضراء.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، واجعلنا من الذين يستقيمون على طاعتك حتى نلقاك، آمين.

اللهم اجعلنا من المستقيمين على طاعتك، وارزقنا الاستمرارية في العبادة بعد رمضان، كما وفقنا في رمضان. آمين.

مزيد من الخواطر الرمضانية