الصعود إلي القمة في رمضان

الصعود إلى القمة في رمضان

الصعود إلى القمة

مرَّ جمعٌ من الناس بجانب جبل شاهق الارتفاع، وعريض الامتداد، تتجاوز قمته حدود النظر، بينما تعلوه روضة غناءٌ تسرُّ القلوب، وتبهج الأبصار، حيث تترقرق المياه العذبة، وتحلِّق الطيور بألوانها البديعة، وتصدح بألحانها العذبة، فتغمر الآذان بسحر ألحانها. كان هذا المشهد البديع يتراءى لهم من بعيد، ولكنَّ القليل فقط من بينهم امتلك الجرأة والشغف ليقترب ويستعد للصعود، بينما اختار آخرون التكاسل والتخاذل، فاستسلموا لواقعهم دون أن يحاولوا بلوغ القمة.

أما أولئك الذين تاقت أرواحهم لرؤية هذا النعيم عن قرب، فقد أعدّوا العدة، واستجمعوا عزيمتهم، واستعانوا بالأدوات التي تُمكِّنهم من التسلق والوصول إلى القمة. كانوا يدركون أن طريقهم ليس سهلًا، لكنه الطريق الوحيد للوصول إلى السعادة الحقيقية، والاستمتاع بكل ما تخبئه القمة من خيرات ونعيم. وفي أثناء صعودهم، مرّوا بمسالك وعرة، ومحطات لا بدّ من اجتيازها، متزودين بما يعينهم على الوصول، حيث أدركوا أن هناك كنوزًا خفية تنتظرهم لم يكن بإمكانهم رؤيتها من الأسفل.

رمضان الجبل الشاهق إلى الجنة

القمة التي يسعى إليها هؤلاء ليست سوى الجنة، ذلك النعيم الأبدي الذي وعد الله به عباده المتقين، حيث لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما جاء في الحديث الشريف:

يقول الله تعالى: “أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.” (متفق عليه).

أما الجبل العظيم الذي يسلكه المؤمنون في سعيهم نحو تلك القمة فهو شهر رمضان، ذلك الشهر المبارك الذي تتخلله محطات من الإيمان، والقرآن، والصلاة، والصيام، والصدقات، والعطاء، والصبر، والاحتساب. إنه الفرصة الذهبية لكل من أراد أن يرتقي بروحه، ويقترب من الله، ويعمل للوصول إلى جنات النعيم.

محطات في طريق الصعود إلى القمة

✔ المحطة الأولى: الشوق إلى الله

الشوق إلى لقاء الله هو المحفز الأول للمؤمن كي يسعى في عبادته ويزداد قربًا منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.” (صحيح البخاري).

فهل أعددت نفسك للقاء الله؟ وهل جهزت زادك لهذا اليوم العظيم؟ اجعل من رمضان نقطة انطلاقك نحو الاستعداد للقائه.

✔ المحطة الثانية: الصلاة في وقتها

إن الصلاة هي الركن الأول الذي يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي العلامة الفارقة بين المؤمن وغيره. فهل أنت ممن يسارعون إليها عند سماع النداء؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.” (سنن أبي داود).

✔ المحطة الثالثة: الصبر والمثابرة

الصعود إلى القمة يحتاج إلى صبر وقوة تحمل، فلا طريق إلى الجنة بلا اجتهاد وتضحية. قال تعالى:

“إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب.” (الزمر: 10).

فليكن رمضان مدرستك في تعلّم الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على الأقدار.

✔ المحطة الرابعة: القرآن الكريم

شهر رمضان هو شهر القرآن، وهو رفيق الدرب الذي يضيء لك الطريق. فهل جعلت لنفسك وردًا يوميًا من تلاوته وتدبره؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعلقة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت.” (متفق عليه).

فلا تكن ممن هجروا القرآن، بل اجعل رمضان نقطة تحول لتكون من أهل القرآن.

✔ المحطة الخامسة: صلة الرحم

صلة الرحم باب من أبواب البر، وهي سبب في زيادة العمر والرزق. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه.” (متفق عليه).

فهل وضعت خطة لزيارة أقاربك والتواصل معهم في هذا الشهر الفضيل؟

✔ المحطة السادسة: الصدقة والإحسان

الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وهي دليل على صدق الإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء.”

فلماذا لا تجعل لك صدقة يومية في رمضان، ولو كانت شيئًا يسيرًا؟ فالقليل عند الله كثير.

✔ المحطة السابعة: قيام الليل

قيام الليل من أعظم القربات التي ترفع المؤمن إلى درجات عالية عند الله، قال تعالى:

“كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون.” (الذاريات: 17-18).

فتأمل هذه الآية، واجعل لنفسك نصيبًا من التهجد والاستغفار في وقت السحر.

✔ المحطة الثامنة: تفطير الصائمين

تفطير الصائم عمل عظيم يُضاعف الأجر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء.” (رواه الترمذي).

فهل فكرت في المساهمة بإفطار الصائمين هذا العام؟

✔ المحطة التاسعة: ذكر الله وتطهير اللسان

اجعل لسانك رطبًا بذكر الله، فذلك أعظم زاد لك في طريقك للقمة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله.” (رواه الترمذي).

فلا تُضيّع وقتك فيما لا ينفع، واملأ أيامك بالتسبيح والاستغفار.

✔ المحطة العاشرة: اغتنام رمضان قبل فوات الأوان

هل تدرك فضل هذا الشهر العظيم؟ في الحديث أن رجلين أسلما معًا، فمات أحدهما شهيدًا، وعاش الآخر عامًا بعده، ثم توفي، فرُئي في المنام أنه دخل الجنة قبل الشهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

“أليس قد مكث هذا بعده سنة، وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟” (سنن ابن ماجه).

فتأمل عظم فضل رمضان، واجعل منه فرصة للصعود إلى القمة.

رمضان ليس شهرًا عابرًا، بل هو موسم للارتقاء، ووقت للصعود نحو القمة، حيث الراحة الأبدية في جنات الخلود. فهل ستجعل منه نقطة تحول في حياتك؟ أم ستمر عليه كما مرت الأعوام السابقة؟

إلى القمة حيث الجنة لا تتردد في الصعود!

ها هو رمضان قد أقبل، يفتح لك أبواب الرحمة والمغفرة، ويمنحك الفرصة للصعود والارتقاء، فهل ستنتهز هذه الفرصة أم ستدعها تفوت كما فاتت من قبل؟ لا تجعل الأيام تمضي وأنت في مكانك، بل كن من الساعين إلى القمة، من المتنافسين في الخير، من الذين أدركوا أن الطريق إلى الجنة يحتاج إلى مجاهدة وعمل وصبر.

الصعود إلي القمة في رمضان
الصعود إلي القمة في رمضان
اصنع قرارك الآن

ابدأ من هذه اللحظة بالتخطيط لشهر رمضانك، ضع لنفسك أهدافًا إيمانية تسعى لتحقيقها.

حاسب نفسك يوميًا، واسأل: هل أنا أقرب إلى القمة اليوم مما كنت عليه بالأمس؟

اجعل القرآن رفيقك، والذكر جليسك، والقيام عادتك، والصدقة طريقك.

كن سبّاقًا في الخير، واسبق غيرك إلى الطاعات، فما الحياة إلا سباق إلى الله.

ولا تنسَ هذا الحديث العظيم:

عندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قال: “آمين، آمين، آمين”. فقيل له: يا رسول الله، لماذا قلت آمين؟ فقال:

“جاءني جبريل فقال: من أدرك رمضان فلم يُغفر له فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين.”

(رواه ابن حبان وصححه الألباني).

فيا من أدركت رمضان، لا تكن من المحرومين، لا تجعل أيامه تمر دون أن تتغير، دون أن تقترب، دون أن تصعد خطوة جديدة نحو القمة.

وأخيرًا

ها هي الأيام تمضي، ورمضان ضيف سريع، فإما أن تخرج منه وقد وصلت إلى القمة، ونلت المغفرة والرحمة والعتق من النار، وإما أن تمر عليك أيامه وأنت كما كنت، لم تتغير ولم تصعد، بل بقيت في مكانك، أو تراجعت دون أن تشعر.

فماذا ستختار؟ الصعود إلى القمة؟ أم البقاء حيث أنت؟

الفرصة بين يديك فاغتنمها قبل فوات الأوان!

لا تتردد، تسلّق الجبل، ارتقِ بروحك، وسابق إلى القمة، فإنها قريبة من الجنة!

مزيد من الخواطر الرمضانية