الجود في رمضان
شهر الجود
*الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وراقبوه في السر والعلن، فإنكم ملاقوه، وبشروا المؤمنين، يقول الله -تعالى-: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 223].
أيها الأحبة في الله، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان مثالًا حيًا للبذل والعطاء، فقد وصفه الصحابة -رضي الله عنهم- بأنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فرغم كرمه وسخائه طوال العام، إلا أن كرمه في رمضان كان أعظم وأندى، كما جاء في الصحيحين.
إن الصدقة برهانٌ على إيمان العبد، فهي ليست مجرد عطاءٍ مادي، بل هي دليل على رحمة القلب، ونقاء النفس، وإحساس المؤمن بحاجة غيره، فهي تغيث المكروب، وتسعف المحتاج، وتخفف معاناة اليتيم، وتدخل السرور على قلوب الفقراء والمساكين. قال -تعالى-: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 18].
فأي دافعٍ أقوى للصدقة من أن يشعر المتصدق أنه يُقرض الله، الغني الحميد؟! وأنه يتعامل مع مالك الملك، فيضاعف الله له العطاء، ويخلف عليه الخير أضعافًا مضاعفة! قال -تعالى-: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: “ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا”. فكم من متصدق بارك الله له في ماله، وكم من مانعٍ أصابه النقص والخسران!
والصدقة ليست فقط زيادةً في المال، بل هي تطهيرٌ للذنوب، ورفعٌ للدرجات، كما ورد في حديث حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وإذا كان يوم القيامة واشتدت الأهوال، فإن أهل الصدقة يكونون في ظل عطائهم، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
والصدقة تنمو لصاحبها حتى تصير عظيمةً، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوَّه، حتى تكون مثل الجبل”.
وفي فضلها أنها تطفئ غضب الرب وتمحو الخطايا، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”.
فهنيئًا لمن أدرك فضلها، واستغل أيام الخير فيها، وسابق إلى رضا الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد: أيها الأحبة، من أعظم الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، أن يجعل ماله وسيلةً لخير الناس، فمن كفل معلمًا للقرآن، أو ساهم في بناء مسجد، أو أعان مريضًا، أو سدَّ دَينًا عن معسر، كان له عند الله أجرٌ عظيم.
إن المتصدق تحوطه دعوات الفقراء والمحتاجين، ويذكره الصغير والكبير، فهنيئًا لمن جعل من ماله وسيلةً لنيل رضوان الله.

ولتكن لنا في شهر رمضان همةٌ عالية في البذل، فقد مضت العشر الأوائل، وما بقي إلا أيام معدودات، فلنغتنمها بطاعة الله، ولنحرص على الصدقة، فهي تدفع البلاء، وتمحو الخطايا، وتكون سببًا في رحمة الله بنا.
أيها الإخوة الأعزاء، لقد أقبل شهر رمضان بمغفرته وفضله، ومثلما نحن في سعيٍ متواصل للطاعات والعبادات، دعونا نكون دائمًا سبَّاقين إلى بذل الخير، وأن نكون من الذين يتسابقون في الأعمال الصالحة حتى نستكمل الشهر الكريم بمزيد من التقوى والمغفرة.
إذا كانت صدقتك قد تكون مصدرًا لمساعدة شخص في حاجة، فإنك بذلك تساهم في بناء مجتمعٍ قوي ومترابط، حيث تكون يد العون والرحمة حاضرًا في كل لحظة، وحيث يدرك كل فرد أنه ليس وحيدًا في مواجهة التحديات.
من المؤكد أنَّ كلَّ واحد منا يستطيع أن يُحسن في مجاله، سواء عبر تقديم العون المادي أو المعنوي للمحتاجين. ومن صور الإحسان في هذا الشهر أن تساهم في مشاريع خيرية، أن تساعد فقيرًا بجزءٍ من مالك، أن تُعِينَ من يحتاج إلى المساعدة في أموره اليومية.
أيها المسلمون، تذكروا أن الأوقات تمضي بسرعة، ولا تدعوا فرصةً تضيع في هذا الشهر الكريم دون أن تتركوا أثرًا حسنًا في حياة الآخرين. لذا، فلنحسن استغلال أيام رمضان، ولنغتنم كل لحظة لتحقيق رضا الله.
وأخيرًا، أتمنى لكم جميعًا أن يكون رمضان فرصةً لتجديد العهد مع الله، وللتقرب منه أكثر. فلنحرص على أن تظل قلوبنا مشغولة بالدعاء والذكر، وقلوبنا مفتوحة للجميع، إذ أن رحمة الله واسعةٌ تشمل كل شيء.
اللهم اجعلنا من المتصدقين الذين يضاعف لهم أجرهم في الدنيا والآخرة. واجعلنا من أهل الجنة، برحمتك وفضلك.
اللهم اجعل هذا الشهر شهرًا مباركًا علينا، واجعلنا من الذين يسيرون في طريق النور، ويعملون في سبيلك بكل إخلاص.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
فَصَلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا من أهل الإحسان، ووفقنا لعمل الخير، وبارك لنا فيما رزقتنا، وتقبل منا صالح الأعمال.
هذا، وأقيموا الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.