التأهيل لرمضان
شعبان: دورة تأهيلية لاستقبال رمضان بروح الطاعة
مع تزايد الدورات التدريبية في مختلف المجالات، يجدر بنا أن نفكر في تخصيص دورة فريدة من نوعها، دورة ذاتية للفرد مع نفسه أو مع أسرته، تكون بمثابة إعداد روحي وتأهيلي لاستقبال شهر رمضان المبارك. فكما نستعد للامتحانات والمناسبات المهمة، يجدر بنا أن نجعل من شهر شعبان محطة إعداد حقيقية تعيننا على اغتنام رمضان بأفضل صورة ممكنة.
لماذا شعبان محطة تأهيلية لرمضان؟
يُعد شهر شعبان فرصة ذهبية للتهيؤ للطاعة، فمن خلاله يمكن للفرد:
الاطلاع على فضائل رمضان عبر قراءة الكتب والمقالات التي تتناول طرق اغتنامه.
وضع خطة عبادية واضحة تشمل قراءة القرآن، الصيام، والقيام، وجدولة الأعمال الخيرية.
الاعتياد على الطاعات حتى لا يكون الدخول في أجواء رمضان مفاجئًا أو مرهقًا للنفس.
كثيرون يستقبلون رمضان دون استعداد، وقد يضيع جزء كبير منه في التسويف والتخطيط بدلاً من التنفيذ، لذا، فإن اعتبار شعبان فترة تأهيلية يساعد في استثمار رمضان بأفضل صورة.
شهر يغفل عنه الناس
روى أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: قلت: “يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟” فقال صلى الله عليه وسلم: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم” (رواه النسائي وأحمد).
يشير هذا الحديث إلى أن شعبان يقع بين شهرين عظيمين: رجب الحرام، ورمضان شهر الصيام، مما يجعل كثيرًا من الناس يغفلون عنه. وهذه الغفلة فرصة عظيمة لمن يريد أن يتميز في طاعته، فالأعمال الصالحة في أوقات غفلة الناس أشد إخلاصًا وأقرب للقبول.
فضائل الصيام في شعبان
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
“صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحُرم، وأفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، فهو بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، يُكمل به نقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده.”
وقد كان بعض السلف يصومون شعبان كاملاً أو أغلبه، وهو تدريب عملي لاستقبال رمضان بقوة ونشاط. كما أن صيام النوافل عمومًا يُفضل إخفاؤه، فقد كان بعض السلف يصومون ولا يعلم بهم أحد، حتى إن أحدهم كان يخرج من بيته برغيفين يتصدق بهما، فيظن أهل السوق أنه أكل في بيته، ويظن أهل بيته أنه أكل في السوق!
استثمار أوقات الغفلة
من فوائد العبادة في أوقات انشغال الناس:
الإخلاص التام، فحين يقل المشاركون في العبادة، يكون العمل أكثر سرية وخلوصًا لله.
ترويض النفس على الطاعة، فالعبادة في أوقات الفتور والمشقة أجرها أعظم.
اتباع هدي النبي ﷺ الذي كان يكثر الصيام في شعبان، ويستعد به لشهر رمضان.
وقد قال النبي ﷺ: “العبادة في الهرج كهجرة إليّ” (رواه مسلم)، أي أن العبادة في أوقات غفلة الناس تعادل الهجرة في أجرها.
لنبدأ من الآن!
فلنغتنم هذا الشهر الكريم بجعل شعبان دورة تأهيلية لرمضان:
1-لنحرص على قراءة القرآن بانتظام.
2-لنعتد على الصيام قدر المستطاع.
3-لنكثر من الدعاء والاستغفار.
4-لنجعل لأنفسنا جدولًا للأعمال الخيرية والعبادات الرمضانيةل
*اللهم اجعلنا ممن يستعدون لرمضان خير استعداد، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأعنا على فعل الخيرات وترك المنكرات، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين*

رحلة الإعداد لرمضان:
بعد أن أدركنا أهمية شهر شعبان كمرحلة تأهيلية لرمضان، يبقى السؤال: كيف نستثمر هذا الشهر عمليًا؟ وما هي الخطوات التي يمكن أن تعيننا على تحقيق أفضل استعداد لهذا الشهر المبارك؟
1. وضع خطة عبادية متوازنة
العبادة تحتاج إلى تنظيم وتخطيط، لذا فإن إعداد برنامج يومي أو أسبوعي في شعبان يسهل علينا الالتزام في رمضان. يمكن أن يتضمن البرنامج:
قراءة جزء يومي من القرآن ليصبح ختمه في رمضان أمرًا معتادًا.
الالتزام بصيام الإثنين والخميس أو الأيام البيض للتدرّب على الصيام الطويل.
القيام ببعض الركعات من الليل استعدادًا لقيام رمضان.
التحلي بالذكر والاستغفار والتسبيح يوميًا، ليصبح جزءًا أساسيًا من يومنا.
2. التخلّص من العادات السلبية
تقليل ساعات استخدام الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي حتى لا تصبح عائقًا في رمضان.
الابتعاد عن الغيبة والنميمة واللغو، فالقلب يحتاج إلى نقاء لاستقبال رمضان بروح صافية.
ضبط أوقات النوم والاستيقاظ حتى لا يرهقنا السهر في ليالي رمضان فنضعف عن الطاعة.
3. تجهيز مشاريع الخير والصدقات
رمضان هو شهر الجود والإحسان، لذا يمكن البدء في شعبان بالتخطيط للأعمال الخيرية مثل:
إعداد ميزانية للصدقات بحيث نخصص جزءًا يوميًا أو أسبوعيًا للعطاء.
تجهيز سلال غذائية للفقراء بحيث يتم توزيعها في بداية رمضان.
المساهمة في تفطير الصائمين من خلال دعم موائد الإفطار أو المشاركة فيها.
4. تعزيز الروابط العائلية والاجتماعية
من أعظم العبادات في رمضان صلة الأرحام، لذا يمكن استثمار شعبان في:
زيارة الأهل والأقارب وتصفية أي خلافات معهم.
تعويد الأبناء على عبادة الصيام والقيام من خلال أنشطة جماعية.
مشاركة الأصدقاء في خطط الطاعة لتشجيع بعضنا البعض على الاستمرار.
5. التوبة والاستغفار والتضرع لله
الاستعداد الحقيقي لرمضان لا يكون فقط بالعبادات الظاهرة، بل يحتاج إلى تجديد التوبة وإصلاح القلب
لنراجع أنفسنا ونتوب من الذنوب التي تثقل أرواحنا.
لنكثر من الاستغفار ليمحو الله ذنوبنا ويطهر قلوبنا.
لنرفع أكف الدعاء بأن يبلغنا الله رمضان ويعيننا على طاعته فيه.
ختامًا لنبدأ الآن!
رمضان ليس مجرد شهر صيام، بل محطة إيمانية تحتاج إلى استعداد مبكر، وشعبان هو الفرصة الذهبية لهذا الاستعداد. فلنبادر من اليوم إلى جعل شعبان دورة تدريبية للطاعة، حتى يكون رمضان بداية جديدة لحياة مليئة بالإيمان والبركات.
اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام، وتقبّله منا خالصًا لوجهك الكريم