الإرشادات الصحية في رمضان من وحي السنة النبوية
الصيام في الإسلام: منهج متكامل للحفاظ على الصحة والروح
جاء الإسلام ليحفظ للإنسان خمسة أمور أساسية تُعرف بالضروريات الخمس، وهي: حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال. وقد وضع الإسلام ضوابط تضمن لكل فرد حمايته في هذه الجوانب، محققًا بذلك التوازن بين الروح والجسد.
وفي شهر رمضان المبارك، قد يُخطئ البعض في اتباع سلوكيات تتعارض مع تعاليم الإسلام، مما قد يؤثر سلبًا على صحتهم، خصوصًا مع الصيام خلال أيام شديدة الحرارة. ومن هذا المنطلق، شدد الإسلام على أهمية العناية بالجسد، باعتباره أمانة يجب الحفاظ عليها وعدم تعريضها للأذى أو الإرهاق.
إرشادات نبوية لصيام صحي ومتوازن:
يمكننا تحقيق صيام صحي دون مشقة زائدة من خلال اتباع بعض التوجيهات النبوية البسيطة، ومنها:
1-تأخير السحور وتعجيل الفطور
من الأخطاء الشائعة تناول السحور في وقت مبكر جدًا من الليل، مثل الساعة الواحدة صباحًا، مما يؤدي إلى إطالة ساعات الصيام لتصل إلى 17 ساعة أو أكثر، وهو ما يزيد من الإرهاق وفقدان السوائل. ولهذا، أوصى النبي ﷺ بتأخير السحور إلى قبيل الفجر، حيث قال: «تسحروا فإن في السحور بركة».
كما أن بعض الصائمين يؤخرون الإفطار دون داعٍ، رغم أن النبي ﷺ أكد على فضل تعجيل الفطور بقوله: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، مما يساعد على إعادة توازن الجسم بسرعة بعد ساعات طويلة من الامتناع عن الطعام والشراب.
2-عدم تحميل الجسد مشقة غير ضرورية
يعتقد البعض أن المشقة الزائدة في الصيام تزيد من الأجر، إلا أن هذا الاعتقاد يحتاج إلى تصحيح، فالأجر يزداد بقدر المشقة الطبيعية غير المفتعلة، مثل مشقة العامل الذي لا يستطيع ترك عمله خلال رمضان. أما المبالغة في تعذيب الجسد، فقد نهى عنها النبي ﷺ، حيث رأى رجلًا يقف في الشمس تعبّدًا فنهاه عن ذلك، مؤكدًا أن الله لا يريد من عباده أن يؤذوا أنفسهم بلا سبب مشروع.
3-تناول الإفطار بطريقة صحية
مع اقتراب موعد الإفطار، تنخفض نسبة السكر في الدم، مما قد يؤثر على تركيز الصائم وسلوكه. لذا، وجه النبي ﷺ إلى كسر الصيام على التمر أولًا، وإن لم يتوفر فبالماء، حيث قال: «إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور».
ورغم ذلك، فإن بعض الصائمين يبدأون إفطارهم بالأطعمة الدسمة أو الثقيلة على المعدة، مما يسبب لهم اضطرابات هضمية. لذا، فإن اتباع السنة النبوية يضمن صيامًا صحيًا ومتوازنًا.:
1. الاعتدال في تناول الطعام بعد الإفطار
بعد ساعات طويلة من الامتناع عن الطعام، يميل البعض إلى الإفراط في تناول الطعام عند الإفطار، مما يسبب التخمة وعسر الهضم. وقد أرشدنا النبي ﷺ إلى الاعتدال في الأكل، حيث قال: «ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطنه». لذا، فمن الأفضل تقسيم وجبة الإفطار إلى مراحل، بدءًا بالتمر والماء، ثم تناول وجبة خفيفة، والانتظار قليلًا قبل استكمال الوجبة الرئيسية.
2. الحفاظ على النشاط البدني دون إجهاد
يميل بعض الصائمين إلى قضاء النهار في الكسل والنوم، مما يؤثر على نشاطهم وأدائهم للعبادات، بينما يبالغ آخرون في ممارسة النشاط البدني العنيف أثناء الصيام، مما يعرضهم للإرهاق الشديد. ومن الأفضل التوازن في ذلك، عبر ممارسة المشي أو التمارين الخفيفة بعد الإفطار، للحفاظ على اللياقة البدنية دون إرهاق الجسد.
3. العناية بالنوم والراحة
يسهر كثير من الناس خلال ليالي رمضان لساعات طويلة، مما يؤثر على طاقاتهم خلال النهار. والإسلام يدعو إلى التوازن في النوم، بحيث يحصل الصائم على قسطٍ كافٍ من الراحة ليكون قادرًا على أداء العبادات والعمل بكفاءة.
4. الإكثار من شرب الماء وتجنب المشروبات الضارة
لضمان ترطيب الجسم، يُنصح بشرب كميات كافية من الماء بين الإفطار والسحور، والابتعاد عن المشروبات الغازية أو التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر والكافيين، لأنها تسبب الجفاف وتزيد الشعور بالعطش أثناء النهار.

ختامًا: رمضان فرصة لتعزيز الصحة والروح
رمضان ليس شهر الامتناع عن الطعام فقط، بل هو فرصة لتحقيق التوازن بين الجسد والروح، وتعزيز العادات الصحية، والارتقاء بالنفس. باتباع التعاليم النبوية، يمكن للصائم أن يحافظ على صحته، ويحقق أقصى فائدة من هذا الشهر الفضيل، ليخرج منه بروحٍ نقية وجسدٍ سليم، مستعدًا لمواصلة حياته بطاقة إيجابية وعزيمة قوية.
نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يجعلنا من الذين يخرجون من رمضان بقلوبٍ عامرة بالإيمان وأجسادٍ مفعمة بالصحة والعافية. والحمد لله رب العالمين.