استقبال رمضان
استقبال شهر رمضان: فرصة عظيمة للتقرب إلى الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يتهيأ المسلمون لاستقباله بفرح وسرور، فهذا الشهر الفضيل يحمل في طياته نفحات الرحمة والمغفرة والعتق من النار. ولكن، تختلف طرق استقبال الناس له؛ فالبعض يستعد له بالمسلسلات والبرامج الترفيهية، بينما يحرص آخرون على اغتنامه في العبادة والطاعة والتقرب إلى الله. فكيف يكون الاستعداد الأمثل لهذا الشهر الكريم؟
رمضان شهر الصيام والتقوى
يقول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).
كما قال عز وجل:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185).
رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة روحية تُعلِّم المسلم التقوى والصبر والإخلاص، وتضاعف فيه الأجور وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار.
تبشير النبي ﷺ بقدوم رمضان
كان النبي ﷺ يستقبل رمضان بالبشرى لأصحابه، حيث قال:
“أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” (رواه النسائي والبيهقي).
وهذا الحديث يوضح فضل رمضان، وأنه فرصة لا تُعوّض للمغفرة والرحمة والعتق من النار.
فضل الصيام وحمايته للمؤمن
عن النبي ﷺ أنه قال:
“الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ” (رواه الإمام أحمد).
الصيام وقاية للمؤمن من عذاب النار، فهو يعينه على ضبط النفس والابتعاد عن الذنوب، خصوصًا آفات اللسان كالغِيبة والنميمة. فقد قال النبي ﷺ:
“الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِنْ كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ” (متفق عليه).
الصيام يرفع الدرجات ويقرب إلى الجنة
روى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رجلين من قبيلة “بَلِيّ” أسلما معًا، وكان أحدهما أكثر اجتهادًا من الآخر، فاستشهد المجتهد في سبيل الله، ثم مات الآخر بعده بعام. وفي المنام، رأى طلحة أن الذي مات بعد عام دخل الجنة قبل الشهيد، فتعجب الصحابة من ذلك، فأوضح النبي ﷺ السبب بقوله:
“أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ وأدرك رمضان فصامه؟” (رواه ابن ماجه).
وهذا الحديث يبين عظمة صيام رمضان، وأنه يرفع الدرجات حتى فوق منزلة الشهداء.
شهر القرآن أم شهر المسلسلات؟
كان رمضان عند السلف شهر العبادة والقرآن، ولكن مع الأسف، أصبح عند كثير من الناس موسمًا للمسلسلات والبرامج الترفيهية. فما إن يقترب الشهر الكريم حتى تبدأ القنوات الفضائية في الترويج لمسلسلاتها بعبارات مثل “قريبًا في رمضان” أو “حصريًا خلال رمضان”، مما يُشغل الناس عن العبادة ويضيع أوقاتهم الثمينة.
المستفيدون من هذه المسلسلات هم المنتجون والقنوات الإعلانية، أما الخاسر الأكبر فهو المشاهد الذي يضيع على نفسه فرصة التقرب إلى الله في هذا الشهر المبارك.
رمضان: فرصة لا تعوض
إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة، يجب على المسلم اغتنامها بالإكثار من الطاعات، كالصلاة وقراءة القرآن والصدقة وصلة الرحم. فالله يفتح في رمضان أبواب الجنة، ويعتق كل ليلة عبادًا من النار، كما قال النبي ﷺ:
“إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة” (رواه البزار).

كيف نستقبل رمضان؟
النية الصادقة: يجب أن نستقبل رمضان بعزم صادق على اغتنامه في طاعة الله.
تنظيم الوقت: تقسيم اليوم بين الصلاة، وقراءة القرآن، والعمل، والراحة دون الانشغال بالملهيات.
الإكثار من الدعاء: فقد كان الصحابة يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
تجنب إضاعة الوقت: بالحذر من سُرّاق الأوقات، سواء القنوات الفضائية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
إحياء ليالي رمضان: بالإكثار من القيام والتهجد، فالعبادة في هذا الشهر مضاعفة الأجر.
اللهم بلغنا رمضان
نسأل الله أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان، ويعيننا فيه على الصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقائه من النار.
“اللهم اجعلنا ممن يصومه إيمانًا واحتسابًا، وممن يفوز بليلة القدر، ويتقبل منهم صالح الأعمال”.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين