إشراقة رمضان وواقع المسلمين
رمضان: إشراقة الأمل ووحدة المسلمين
مع قدوم شهر رمضان المبارك، تتجه قلوب المؤمنين إليه بشوق وتطلع، فهو شهر النور الذي يبدد ظلمات الفتن والاضطرابات التي تحيط بالعالم. في هذا الشهر الكريم، يجد المسلمون فرصة لتجديد إيمانهم، والتقرب من الله، والسعي نحو الوحدة والترابط، في وقت تشتد فيه المحن والتحديات
رمضان شهر البركة والأحداث العظيمة
رمضان ليس مجرد شهر للصيام والعبادة، بل هو شهر تجلت فيه أعظم الأحداث عبر التاريخ. ففيه نزلت الكتب السماوية على الأنبياء، كما روى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أُنزلت صحف إبراهيم في أوَّل ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لستٍّ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان”.
القرآن الكريم، الذي هو هدى ورحمة للعالمين، أُنزل في هذا الشهر الفضيل ليكون نورًا يهدي البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3].
فضائل رمضان وميزاته الفريدة
يتميز شهر رمضان بفضائل عظيمة، منها مغفرة الذنوب وفتح أبواب الرحمة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُصفد فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر”. فهذه الليلة المباركة، ليلة القدر، تفيض فيها البركات ويُكتب فيها مصير العباد، كما قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
الصوم في هذا الشهر ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة تهذب النفس وتقوي الإرادة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الصوم لي وأنا أجزي به”، مما يؤكد عظم الأجر والثواب الذي ينتظر الصائمين.
رمضان شهر الجهاد والبناء
لم يكن رمضان شهرًا للكسل والخمول، بل كان زمنًا لتحقيق إنجازات عظيمة. ففيه وقعت معارك مصيرية مثل غزوة بدر وفتح مكة، ما يدل على أن هذا الشهر يعزز العزيمة ويدفع المسلمين للعمل والاجتهاد.
فالجهاد في رمضان يتجلى بأشكال متعددة، منها جهاد النفس من خلال الصيام والقيام، وكذلك بذل الجهد في العمل والعلم والدعوة إلى الله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المجاهد من جاهد نفسه في الله”، وهذا يوضح أن الجهاد الأكبر هو التغلب على الشهوات والالتزام بالمنهج الرباني.
رمضان ورسالة الوحدة الإسلامية
يهدف شهر رمضان إلى تعزيز روح الأمة الواحدة، حيث يجتمع المسلمون في عبادة موحدة، يعبدون ربًّا واحدًا، ويتبعون رسالة واحدة هي الإسلام. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وهذه الأخوة يجب أن تُترجم إلى واقع ملموس من خلال التكاتف والتعاون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه”، وهذه المبادئ يجب أن تكون أساسًا للعلاقات بين المسلمين في رمضان وفي كل وقت.
الواقع المؤلم والمسؤولية الكبرى
رغم أن رمضان يحمل معاني الوحدة والصفاء، إلا أن واقع المسلمين اليوم يشهد تفرقة وصراعات لا ترضي الله. بدلًا من استغلال الشهر لتعزيز الأخوة والتقارب، أصبح البعض يشغله في اللهو والإفراط في الطعام، بينما تستمر معاناة المسلمين في شتى أنحاء العالم.

يأتي رمضان وفلسطين لا تزال جريحة، ودماء المسلمين تسفك في بقاع مختلفة، بينما يواصل البعض الاستسلام والخضوع لمخططات الأعداء. لقد تحولت أولويات المسلمين، فلم يعد الاهتمام ينصبُّ على بناء الأمة، بل على الأمور الشكلية والاستهلاكية.
استعادة المعاني الحقيقية لرمضان
لابد أن يكون رمضان نقطة انطلاق نحو إعادة بناء الأمة الإسلامية على أسس صحيحة، حيث يجتمع المسلمون على هدف واحد، وهو تحقيق العبودية الخالصة لله، والعمل على نشر دعوته، كما أمر الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
ختامًا، إن إشراقة رمضان تذكرنا في كل عام بأهمية وحدة المسلمين وقوة تماسكهم. فهو ليس شهرًا للطعام واللهو، بل شهرٌ للعمل، والجهاد، والإصلاح، وبناء الأمة الإسلامية على مبادئ التوحيد والعدل. فهل نكون على قدر المسؤولية هذا العام؟
يعد الصيام ركناً رئيسياً في الإسلام