أيها المسلمون، سارعوا لاغتنام رمضان قبل أن يمضي الوقت.
اغتنموا رمضان قبل فوات الأوان
رمضان شهر فضيل يحمل بين طياته فرصًا عظيمة لنيل المغفرة والرحمة والنجاة من النار. وقد جاء في الحديث الشريف، الذي رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، أن النبي ﷺ قال:
“رغم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يُصلِّ علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر فلم يدخلاه الجنة.”
يُعد رمضان محطة عظيمة لتكفير الذنوب والتطهر من الخطايا، كما أخبرنا النبي ﷺ في الحديث الذي رواه مسلم:
“الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.”
أهمية اغتنام رمضان
بما أن رمضان موسم رحمة ومغفرة، فمن واجب كل مسلم ومسلمة اغتنامه وعدم تفويت هذه الفرصة العظيمة، لأن مرور الشهر دون تحقيق المغفرة يُعد خسرانًا عظيمًا، كما بيّن ذلك النبي ﷺ بقوله: “رغم أنف”، وهي كناية عن الذل والخسارة.
كيف نستثمر رمضان بأفضل طريقة؟
للإجابة على هذا السؤال، نتناول أربعة محاور رئيسية:
1. مكانة الصيام في الإسلام.
2. فضائل شهر رمضان.
3. سبل اغتنام رمضان.
4. شروط قبول الصيام.
*1- مكانة الصيام في الإسلام:
فرض الله تعالى الصيام على المسلمين وجعله ركنًا من أركان الإسلام، حيث قال في كتابه العزيز:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
كما جاء في حديث النبي ﷺ: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا.”
*2- فضائل شهر رمضان:
يتميز رمضان بفضائل عظيمة، منها:
باب واسع للمغفرة: قال النبي ﷺ: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.” (متفق عليه).
الصيام جزء من الصبر: حيث قال ﷺ: “الصوم نصف الصبر.” (رواه الترمذي).
الصوم عبادة خالصة لله: قال الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به.” (رواه البخاري).
تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار: كما ورد عن النبي ﷺ: “إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين.” (رواه مسلم).
فيه ليلة القدر: قال تعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.” (القدر: 3).
شفاعة الصيام يوم القيامة: حيث قال النبي ﷺ: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة.” (رواه أحمد).
الوقاية من النار: قال ﷺ: “الصيام جنة.” (متفق عليه).
باب خاص للصائمين في الجنة: قال ﷺ: “إن في الجنة بابًا يُقال له الريّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، فإذا دخلوا أُغلق.” (رواه البخاري ومسلم).
زيادة الجود ومدارسة القرآن: كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن.
أجر العمرة في رمضان مضاعف: قال ﷺ: “عمرة في رمضان تعدل حجة معي.” (رواه البخاري).
*3- سبل اغتنام رمضان:
لتحقيق أقصى استفادة من رمضان، ينبغي للمسلم:
1. التحكم في الجوارح وتجنب المعاصي.
2. إتمام الصيام بإخلاص.
3. إحياء الليل بالصلاة، خاصة التراويح.
4. كثرة تلاوة القرآن والتدبر فيه.
5. الإكثار من الصدقة وإفطار الصائمين.
6. التوسّع في أعمال الخير والبر.
7. الاعتكاف في العشر الأواخر.
8. التحلي بالصبر على أذى الآخرين.
9. تحري ليلة القدر والاجتهاد فيها.
10. الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار.
11. إحياء سنن النبي ﷺ في الصيام، مثل تعجيل الفطور وتأخير السحور.
12. أداء العمرة لمن يستطيع.
*4- شروط قبول الصيام
لقبول الصيام، هناك عدة شروط ينبغي مراعاتها:
1. الإخلاص لله تعالى: يجب أن يكون الصيام خالصًا لوجه الله وليس لغرض آخر.
2. الالتزام بأركان الصيام وآدابه.
3. التحكم في الجوارح والابتعاد عن الذنوب: قال النبي ﷺ: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر.” (رواه ابن ماجه).
4. التحلي بالصبر: فقد أوصى النبي ﷺ الصائم أن يقول: “إني صائم.” إذا تعرض للأذى أو الجدال.
رمضان فرصة عظيمة لا ينبغي التفريط فيها، فنسأل الله تعالى أن يجعل صيامنا مقبولًا، وذنبنا مغفورًا، وعملنا متقبلًا، وأن يوفقنا لاستثماره بأفضل طريقة.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد تناولنا في هذا المقال أهمية شهر رمضان، وفضائله العظيمة، وطرق اغتنامه، وشروط قبول الصيام. ويبقى أن نؤكد أن هذا الشهر هو فرصة لا تُقدّر بثمن لمن أراد أن يقترب من الله، ويطهر نفسه من الذنوب، ويُحسن علاقته بربه.

كيف نحافظ على أثر رمضان بعد انتهائه؟
يخطئ البعض عندما يظن أن عبادة رمضان تنتهي بانتهائه، فالمؤمن الحقيقي هو من يحرص على استمرار الطاعة بعد الشهر الفضيل. ولكي نحافظ على أثر رمضان في حياتنا، يمكننا اتباع بعض الخطوات:
1. الاستمرار في الصيام بعد رمضان: فقد حثّنا النبي ﷺ على صيام ستة أيام من شوال، وصيام الاثنين والخميس، وأيام البيض.
2. المحافظة على القيام والتهجد: كما اعتدنا على قيام الليل في رمضان، ينبغي أن نحافظ على ذلك ولو بركعات قليلة كل ليلة.
3. المداومة على تلاوة القرآن: فلا يكون القرآن رفيقنا فقط في رمضان، بل يجب أن نستمر في قراءته وتدبره طوال العام.
4. الاستمرار في الصدقة: كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ولكن الجود والكرم لا ينبغي أن يتوقفا بعد رمضان.
5. التمسك بالأخلاق الحسنة: كالصبر، والحلم، والعفو، وحسن الظن، وضبط اللسان، والتي تعودنا عليها في رمضان.
6. الحرص على التوبة والاستغفار: فالمؤمن بين الطاعة والتوبة، فلا يركن إلى أعماله في رمضان وينسى التوبة والإنابة إلى الله.
خاتمة
رمضان مدرسة تربوية عظيمة، تربي النفوس على التقوى، والإخلاص، والاجتهاد في الطاعة، وتحقيق المعاني العظيمة في علاقتنا بالله. فطوبى لمن خرج من رمضان وقد تغير حاله للأفضل، وأصبح أكثر قربًا من الله، وأكثر التزامًا بطاعته.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يثبتنا على طاعته بعد رمضان، وأن يجعلنا من عتقائه من النار.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.