أنواع الناس في استقبال شهر رمضان
أنواع الناس في استقبال رمضان
شهر رمضان المبارك على الأبواب، ذلك الضيف العزيز الذي لا يأتي إلا مرة في السنة، ثم يرحل سريعًا ويتركنا ننتظره عامًا آخر. إنه شهر لا يُضاهى في بركته، وعندما يغيب، تشتاق إليه القلوب وتترقب عودته.
هل اشتقت إلى رمضان؟ هل شعرت بقربه وأنت تتهيأ لاستقباله؟ هل أعددت نفسك لاستقبال هذا الشهر الفضيل بكل استعداد وعزم؟
إن رمضان هو فرصة عظيمة في زمانه، كما قال العلماء، ويجب على المسلم أن يدرك قيمته كما كان يفعل سلفنا الصالح. لم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر عابر، بل كان يمثل لهم فرصة للتقرب إلى الله. كانوا يدعون الله أن يبلغهم هذا الشهر، ويتضرعون إليه ليعينهم على طاعته. وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه أحمد وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” (رواه النسائي).
لكن الناس في استقبالهم لشهر رمضان يختلفون. فهناك من يشعر بثقل رمضان في قلبه، بل ويستاء منه بسبب ما في قلبه من مرض أو شك، كما ذكر ابن رجب في “لطائف المعارف”. وهناك من يتخيل رمضان مجرد قطع لشهواته، فيستعد له بالانغماس في الملذات قبل أن يحل. ثم نجد من يزعم أن رمضان لا يتجاوز كونه وقتًا لزيادة الإنفاق على الطعام والشراب، ليضيعوا فيه أوقاتهم بعيدًا عن العبادة.
أما أهل الإيمان فهم يدركون قيمة رمضان الحقيقية. يتوجهون بالدعاء إلى الله أن يعينهم على بلوغ هذا الشهر المبارك، ويعدون أنفسهم لعبادته بكل إخلاص. وقد قال معلى بن الفضل: “كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم”. لديهم نية صادقة في استغلال هذا الشهر في الطاعات، والعبادة، والتوبة، والتغيير إلى الأفضل.
لذا، إن الاستعداد لرمضان لا يكون مجرد تهيئة جسدية، بل تهيئة نفسية وروحية. فالتخطيط الجيد والنية الطيبة يسبقان العمل، ليكون رمضان فرصة حقيقية لزيادة الأجر والثواب. في هذا الشهر، يسعى المسلم لإتمام أعماله الصالحة، وتجنب كل ما يعيق عبادته من شاغلات الدنيا. يتعاون مع أسرته وأصدقائه، ويحول بيته إلى مكان مليء بالعبادة والذكر.
إن من علامات الاستعداد الصادق لرمضان هو الجدية في السعي نحو مرضاة الله، والعمل على التوبة والابتعاد عن المعاصي. يسابق المسلم في كل أبواب الخير: من صلاة، صدقة، قراءة قرآن، إطعام للطعام، قيام ليل، ومساعدة للمحتاجين. يتمنى أن يُدعى من كل باب من أبواب الجنة، ويجعله رمضان نقطة تحول في حياته نحو الأفضل.
اللهم اجعل رمضان هذا الشهر الذي نغتنم فيه الفرص، شهرًا للرحمة والمغفرة، شهرًا للتوبة والتغيير. اجعلنا من الذين يفتح الله لهم أبواب الرحمة في هذا الشهر الكريم، ومن الذين يخلصون في عبادة الله ويجدون في ذلك راحة للقلوب وطمأنينة للنفوس.
إن رمضان هو شهر العطاء والبركات، شهر تتنزل فيه الرحمة ويضاعف فيه الأجر. فلنحرص على أن نستغله في أعمال الخير والإحسان. نغتنم كل لحظة فيه بالصلاة، قراءة القرآن، والقيام.
أعظم ما يمكننا أن نقدمه في هذا الشهر هو إخلاص النية والعمل من أجل الله، وعزمنا على تغيير حياتنا للأفضل. فلنترك العادات السيئة، ولنتب إلى الله توبة نصوحًا، ولنكن دائمًا في صراع مع أنفسنا لتكون الأعمال الصالحة عادة ثابتة في حياتنا.
وبينما نسعى لجعل هذا الشهر فرصة للتوبة والنمو الروحي، لا ننسى أن نكون عونًا لبعضنا البعض. فلنساعد الأسر المحتاجة، ولنكن يداً واحدة في كل فعل خير. وها هو رمضان، فرصة عظيمة لإحياء الأخلاق الحميدة والتعاون على البر والتقوى.

اللهم اجعلنا من أهل رمضان الذين يقبلون على عبادتك بقلب صادق، ويجتهدون في الطاعات ولا يغفلون عن السعي وراء رضاك. اجعلنا من الذين يحققون أهدافهم الروحية في هذا الشهر المبارك، وتقبل منا سائر أعمالنا وعباداتنا.
اللهم بلغنا رمضان، وأعنّا فيه على صيامه وقيامه، واجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الفضيل، وارزقنا الفوز بجناتك يا أرحم الراحمين.
فاللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للطاعات، واغفر لنا ما مضى، وتقبل منا ما نقدمه من عبادات، واجعلنا من أهل الجنة برحمتك.