كيف نستقبل رمضان بروح متجددة واستعداد مميز يغير حياتنا؟

أقوال السلف في فضل الصيام

أقوال السلف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فطوبى لمن أنعم الله عليه بالمداومة على الصيام، فجعل صيامه ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل صيام جوارحه عن الذنوب والمعاصي، فاستحق بذلك رضا الرحمن ونال الجنة والعتق من النار.

لقد تناول علماء السلف فضائل الصيام وأهميته في حياتنا، وأحببت أن أشارككم بعضاً من أقوالهم، سائلاً الله أن ينفع بها الجميع.

فضل صيام شهر شعبان

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن صيام النبي ﷺ في شهر شعبان كان له ثلاث حكم رئيسية:

1. تعويض ما فاته من صيام التطوع: فقد كان النبي ﷺ يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد تشغله بعض الأمور أحياناً عن ذلك، فكان يجمع ما فاته في شهر شعبان قبل حلول رمضان.

2. تهيئة النفس لاستقبال رمضان: فكما أن للصلاة سنن تسبقها، كان الصيام في شعبان بمثابة إعداد روحي للصيام المفروض.

3. رفع الأعمال إلى الله وهو صائم: فقد كان النبي ﷺ يحب أن تُرفع أعماله إلى الله في حال كونه صائماً.

الصيام علامة على العبودية الحقة

قال ثابت البناني رحمه الله: لا يُطلق على أحد لقب “عابد” إلا إذا كان محافظًا على الصيام والصلاة.

وكان طلاب الحديث في زمن السلف يعينون أنفسهم على طلب العلم بالصيام، لما فيه من صفاء للذهن وقوة للإرادة.

الصائمون هم السائحون

ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿السائحون﴾ أن المقصود بهم الصائمون، كما ذكر ذلك الصحابة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وأكدت السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك بقولها: “سياحة هذه الأمة الصيام”.

الصوم المشروع: أكثر من مجرد امتناع عن الطعام

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

الصوم الحقيقي لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يشمل حفظ الجوارح عن المعاصي، واللسان عن الكذب والفحش، والجسد عن الظلم.

الصائم الحق هو من كان حديثه نافعًا، وأعماله صالحة، وجوارحه محفوظة من الآثام، ليكون صومه سببًا في صلاحه وصلاح من حوله.

الصوم وسيلة لكبح الشهوة وتقوية الإرادة

ذكر الإمام الغزالي رحمه الله أن الصوم هو الحل الأمثل لمن أراد التحكم في شهوته، إذ يقلل من قوتها بمنع الطعام والشراب الزائدين.

وأكد ابن القيم أن الصيام يضيق مجاري الشهوة في النفس، ويحد من قوتها، مما يساعد الإنسان على التحلي بالعفة والطهارة.

أما الإمام العثيمين، فقد أشار إلى أن الصيام يكبح جماح النفس التي اعتادت على الترف، ويعودها على التحمل والصبر.

الصيام طريق إلى التقوى

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

الصيام هو وسيلة لحفظ القلب والجوارح من الانجراف وراء الشهوات، وهو من أكبر العوامل المساعدة على تحقيق التقوى.

قال الإمام السعدي رحمه الله: الصوم يدرب الإنسان على مراقبة الله، فيجعل الصائم يترك شهواته رغم قدرته عليها، إيمانًا بأن الله يراه.

تعويد الأطفال على الصيام

كان السلف يعوّدون أبناءهم على الصيام متى استطاعوا ذلك، كما ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يُعلّمون أبناءهم الصلاة عند سن التمييز، والصيام متى أطاقوه.

الصيام دليل على صدق الإيمان

يرى الإمام ابن رجب أن الصائم حين يترك شهوته رغم عدم وجود رقيب عليه إلا الله، فإن ذلك دليل على صدق إيمانه وخشيته لله.

الصوم يعلّم المسلم الإخلاص، فهو عبادة بين العبد وربه، لا يعلم بحقيقتها إلا الله.

الصيام وسيلة لتصفية القلب وإزالة الحقد

قال الحارث رحمه الله: الصيام يذهب ما في الصدر من غلّ وحقد، ويساعد على الصفاء الروحي.

الصيام وقاية من عذاب النار

قال الإمام ابن العربي: الصوم وقاية من النار لأنه يحرم النفس من الشهوات التي تؤدي إلى المعاصي، والنار محاطة بالشهوات كما ورد في الحديث.

الصيام يبعث الفرح في القلب

يقول ابن القيم: الصوم له أثر عظيم في إسعاد القلب وإشراقه، لما فيه من تهذيب للنفس وسموّ بالروح.

الصيام رياضة للبدن وتطهير للنفس

يرى ابن كثير أن الصوم زكاة للبدن، أي أنه ينقيه من الفضلات والأمراض، ويهذب النفس من الأخلاق السيئة.

وأكد الإمام السعدي أن العبادات، ومنها الصوم، تقوي الجسد، وتمد الإنسان بطاقة إيجابية روحية وجسدية.

الصيام يعزز العزيمة والصبر

قال الإمام الغزالي: الصوم نصف الصبر.

وذكر السعدي أن الصيام يربي الإنسان على قوة الإرادة، حيث يترك ما يشتهيه حبًا لله وتقربًا إليه.

الصيام علاج لحالة الفتور الروحي

يرى بعض العلماء أن من يشعر بالفتور في العبادة عليه أن يلجأ إلى الصيام، فهو من أقوى الوسائل التي تعيد النشاط الروحي وتقوي العزيمة.

احذر تلبيس إبليس في الصيام

حذر الغزالي وابن الجوزي من بعض الأشخاص الذين يحرصون على الصيام لكنهم لا يتورعون عن المعاصي، مثل الغيبة والكلام الفاحش، معتبرين أن صيامهم كافٍ لكفارتهم عن الذنوب، وهذا من الغرور.

علامات قبول الصيام

يرى الإمام العثيمين أن من علامات قبول الطاعات انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه، لأن للطاعة أثرًا ظاهرًا على صاحبها.

الصيام يؤثر على من حولك:

قال ابن الجوزي: إن رؤية الصائم الملتزم تجلب البركة، وتؤثر في من حوله إيجابيًا، كما تأثرتُ برؤية بعض العلماء الذين كانوا كثيري الصوم والصمت.

الصيام يذكّر المسلم بنعم الله:

يذكر العثيمين أن الإنسان لا يدرك قيمة النعم إلا عند فقدها، فيجعل الصوم المسلم يتأمل في نعمة الطعام والشراب والزواج، فيحمد الله ويشكره عليها.

تجنب تخصيص يوم الجمعة للصيام:

كان من هدي النبي ﷺ تجنب صيام يوم الجمعة منفردًا، كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله.

الصيام يخفف حرارة يوم القيامة

قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: “صوموا الدنيا لحرّ يوم النشور”.

الصائم يشعر بالمحتاجين:

الصيام يجعل الإنسان يتذكر إخوانه الذين يعانون من الجوع والعطش، فيشعر بمعاناتهم ويزيد من عطفه وكرمه تجاههم.

ختامًا

فلنجتهد في الصيام، فهو درع من النار، وكان السلف يصومون حتى في أشد أيام الحر. وكثير من العلماء ماتوا وهم صائمون، فرُبَّ صائمٍ فاز بفضل الله العظيم.

أقوال السلف في فضل الصيام
أقوال السلف في فضل الصيام

إن الصيام عبادة عظيمة تهذب النفس، وتربيها على الصبر، وتعينها على مجاهدة الشهوات، وهو طريق موصل إلى تقوى الله، كما قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

لقد أدرك السلف فضل هذه العبادة فاجتهدوا فيها، وكانوا يصومون حتى في أشد أيام الحر، متذكرين بذلك حرّ يوم النشور، وكان بعضهم يبكي عند وفاته حزنًا على فوات الصيام والقيام، لما فيهما من لذة القرب من الله.

ومن كرم الله أن يجعل الصيام سببًا للفرح في الدنيا والآخرة، فكما قال النبي ﷺ: “للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه”. فمن وفقه الله للصيام على الوجه الذي يرضيه، فليبشر بفرحة يوم يلقى الله، وليكن صيامه صيام الجوارح عن الآثام، وصيام القلب عن التعلق بالدنيا، ليكون صومه مقبولًا عند الله.

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في الصيام وسائر العبادات، وأن يجعلنا من المقبولين، وأن يعيننا على صيام ما تيسر لنا من الأيام تطوعًا، ليكون لنا وقاية من النار ورفعة في الدرجات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مزيد من الخواطر الرمضانية